كان هروبُ الثعبانِ البرازيلي ، السببَ في
تعرضِ هاري لأطولِ فترةِ عقابٍ على الإطلاق، وبحلولِ الوقتِ الذي سُمح له فيه
بالخروجِ من خزانَتِه، كانت الإجازةُ الصيفية قد بدأت بالفعل، وكان دادلي قد حطم
كاميرة الفيديو وهشم طائرتَه ذات التحكمِ عن بعد ، وأسقط السيدة فج أرضا وهي تعبر
شارع بريفت درايف على عكازيها، أثناء ركوبه لدراجة السباق للمرة الأولى.
كان هاري سعيدا بانتهاء الدراسة ، ولكنه
للأسف لم يستطعْ التخلصَ من عصابة دادلي، التي كانت تزورُ المنزلَ يوميا. كان بيرس
ودينس ومالكوم وجوردان أولادا أغبياء ضخام البنية، ولأن دادلي كان أضخمهم وأشدهم
غباء، فقد كان هو زعيمُهم، ولذلك كان باقي أفرادِ العصابةِ سعداءَ جدا بالانضمام
إليه في ممارسة رياضته المفضلة، مطاردةِ هاري.
لذلك كان هاري يقضي أطولَ وقت ممكنٍ بعيدا عن
المنزل ، يتجولُ في الحي ويفكرُ في العامِ الدراسي الجديد ، حيث يلمحُ بارقةً من
الأمل، فهو سيذهبُ للمرة الأولى في حياته إلى مدرسة مختلفة عن مدرسة دادلي.
تم قبولُ دادلي في نفس المدرسة التي ارتادَها
العمُ فرنون في صغره،مدرسة سميلتنجز الخاصة، وكذلك بيرس بولكيس ، أما هاري فسيذهب
إلى مدرسة ستون وول العامة.
كان دادلي يرى الموضوعَ مضحكا للغاية، وكثيرا
ما كان يسخرُ من هاري ومن مدرسته الجديدة ويقول له ( أتعلم أنه في أول يوم لهم في
ستون وول يقومون بوضع رؤوسِ الطلابِ الجدد
في المرحاض ، ؟ لما لا تأتي للأعلى لتتدرب؟)
( لا شكرا ، ما ذنبُ المرحاض المسكين في أن
يرى شيئا مريعا كرأسك، مؤكدٌ أن ذلك سوف يصيبه بالغثيان) قالها هاري وهرب بعيدا
قبل أن يستطيعَ دادلي فهم معناها.
وفي يوم من أيام شهر يوليو ذهبت الخالة
بتونيا برفقة دادلي إلى لندن، لتشتريَ له الزيَّ الجديد الخاص بمدرسة سميلتنجس،
وتركوا هاري لدى السيدةِ فيج.
كانت زيارةُ السيدة فيج أفضلَ من أي مرة
سابقة، فقد تبين أن ساقها كسرت بسبب تعثرها في إحدى قططها، مما جعلها تفقد
شغفها الشديد بالقطط، فتركت هاري يشاهد
التلفاز، وأعطته أيضا قطعة من كعكة شيكولاتة ، كان طعمُها أشبهَ بكعكة مخزنة لسنين.
وفي المساء، خرج دادلي إلى غرفة المعيشة
مرتديا زيَّهُ المدرسي الجديد، كان زيُّ مدرسة سميلتنجس يتكون من معطفٍ كستنائيٍ
طويلَ الذيل، وبنطالٍ برتقالي واسع، وقبعةٍ عريضةٍ من القش، و عصا معقوفة يستخدموها
الطلاب في ضرب بعضهم البعضَ من وراء أساتذتهم.
ياله من تدريب ممتاز على الحياة العملية
القادمة.
عندما رأى العم فرنون دادلي في زيه الجديد،
قال أن هذه اللحظةَ هي أكثرُ اللحظات فخرا في حياته، أما الخالة بتونيا فلم تتمالك
دموعَها وهي تقول كم يبدو دادلي الصغيرُ وسيما وناضجا بشكل لا يصدقُ في زيه الجديد.
كان هاري يحاول ألا ينفجر ضاحكا، فلم يجرؤ
على التفوه بكلمة واحدة.
في صباح اليوم التالي ، عندما دخل هاري إلى
المطبخ لتحضير الفطور، لاحظ وجودَ رائحة بشعة تصدر من إناء معدِني في حَوْض
المطبخ، وعندما ذهب ليلقيَ نظرةً عليه ، وجد به ما يبدو أنه بعض الملابس المتسخة،
تسبح في مياه رمادية اللون، سأل هاري خالته ( ما هذا؟)
أجابت وهي تضم شفتيها كما تفعل دائما كلما جَرُؤَ
على سؤالها عن أي شيء( إنه زيُّك المدرسيُّ الجديد)
نظر هاري في الإناء مجددا ثم قال ( اوه، لم
أكن أعلمُ أنه يجب أن يكون مبتلا بهذا الشكل )
ردت خالتُه باقتضاب( لا تكن غبيا، إنني أقوم
بصبغ بعض ملابس دادلي القديمة باللون الرمادي من أجلك، ستبدو مثل أي زي مدرسي آخر
عندما انتهي من صبغها)
بالرغم من أن هاري كان يشك في حدوث ذلك ، إلا
أنه لم يجادلْها، واكتفى بالجلوس على طاولة الطعام محاولا عدم التفكير فيما ستبدو
عليه هيئتُه في أول يوم له بمدرسة ستون وول، على الأرجح سيبدو مثل من يرتدي قطعا
قديمة من جلد الفيل.
دخل
دادلي والعم فرنون إلى المطبخ وهما يسدان أنفيهما، من بشاعة رائحة زي هاري المدرسي
الجديد. بدأ العم فرنون في تصفح جريدته كالمعتاد، بينما أخذ دادلي يدق على الطاولة
بعصا مدرسته الجديدةِ التي لم تعد تفارقُه
بعد قليل ، سمعوا صوت البريد وهو ينزلق من
فتحة الباب ويسقط على السجادة.
قال العم فرنون من خلف الجريدة ( أحضر البريد
يا دادلي)
( لا فليحضره هاري)
( احضر البريد يا هاري)
( لا فليحضره دادلي)
(
اضربه بعصاك يا دادلي)
تفادى هاري الضربة وذهب لإحضار البريد، كان
هناك ثلاثُ خطابات على السجادة ، بطاقةٌ بريديةٌ من العمةِ مارج أختِ العم فرنون،
والتي كانت في إجازة في جزيرة وايت، وظرفٌ بنيُ اللونِ يبدو أن به بعض الفواتير،
و.....خطابٌ لهاري.
تسارعت دقات قلب هاري ، بينما يحدق في الخطاب
الذي كُتب عليه اسمه، لم يسبق لأحد أن كتب له من قبل أبدا، إنه لا يملك أي أصدقاء،
وليس لديه أي أقارب غير عائلة درسلي ، ولم يشترك في المكتبة حتى يصله خطاب يطالبه
بإعادة الكتب التي استعارها، فمن سيكتب له إذا؟
ولكن هاهو ذا الخطاب الموجه إليه بلا أي شك
السيد هاري بوتر، الخزانة تحت السلم، 4 شارع
بريفت درايف، ليتل وينجنج ، سيوري
كان ظرفا سميكا، ثقيلا، مصنوعا من ورق أصفر
مقوى ، واسم هاري وعنوانه مكتوبان عليه بحبر أخضر زمردي، ولم يكن هناك أيُ طابعِ
بريدٍ على الظرف.
كانت يداه ترتجفان وهو يقلب الظرف على الوجه
الآخر، حيث وجد ختما من الشمع بنفسَجي اللونِ يحمل شعارا؛ أسد ونسر وغُرَير وأفعى
يحيطون بحرف هاء ضخم.
صرخ العم فرنون من المطبخ (أسرع يا ولد،
مالذي يستغرق منك كل هذا الوقت، أتفحص خطابات مفخخة؟) ثم ضحك على دعابته السخيفة.
كان هاري مستمرا في التحديق إلى خطابه عندما
عاد إلى المطبخ، أعطى العم فرنون البطاقة البريدية والفاتورة، ثم جلس ببطء وبدأ
يفتح الظرف الأصفر.
فتح العم فرنون الفاتورة ثم نحاها جانبا
متذمرا، وقرأ البطاقة البريدية ثم قال للخالة بتونيا( مارج مريضة، لقد أكلت وجبةً
غريبةً من الحلزون....)
قاطعه دادلي فجأة قائلا ( ابي ، لقد تلقى
هاري خطابا)
كان هاري على وشك فتح الخطاب المكتوب على نفس
نوع الورق الثقيل المقوى المصنوع منه الظرف ، عندما نزعه العم فرنون من بين يديه
بقوة.
حاول هاري خطف الخطاب وهو يقول( إنه خطابي)
سخر منه العم فرنون قائلا(و من الذي سيبعث
إليك خطابا؟)، ثم فض الخطاب بيده وبدأ في قراءته.تحول وجهه من اللون الأحمر إلى
الأخضر أسرعَ من تحول إشارةِ المرور، وفي ثواني كان وجهُه قد أصبح شاحبا بلا لون
كطبق عصيدة قديم ، ثم صاح بذعر ( بتونيااااا)
حاول دادلي الإمساكَ بالخطاب، ولكن العمَ
فرنون رفعه بعيدا عنه. أخذت الخالة بتونيا الخطاب بفضول وقرأت اول سطر منه ، لوهلة
بدت وكأنها على وشك أن تفقد وعيَها، ثم أمسكت بحلقها وكأنها تختنق، بينما تقول (
فرنون ، يا إلهي ، فرنون)
حدق كلٌ منهما في الآخر وكأنهما نسيا وجود
هاري ودادلي في الغرفة، فما كان من دادلي الذي لم يتعود على أن يتجاهلَه والديه ،
إلا أن نقر رأس أبيه بشدة بعصا المدرسة، ثم صرخ ( أريد أن أقرأ الخطاب)
قال هاري بغضب ( أريد أن أقرأَه، إنه خطابي)
أعاد العمُ فرنون الخطابَ إلى الظرف وزمجر
قائلا( اخرجا من هنا، كلاكما)
لم يتحرك أيٌ منهما
صرخ
هاري ( أريد خطابي)
وصاح دادلي بلهجته الآمرة( دعني أراه)
انفجر فيهما العم فرنون( اخرجاااا)، ثم أمسك
كلا منهما من رقبته وألقى بهما خارجا، وأغلق باب المطبخ بعنف.
دخل هاري ودادلي في شجار عنيف لكنه صامت ،
لتحديد من سيتنصت من ثقب مفتاح باب المطبخ، وبالطبع فاز دادلي، فاضطر هاري أن
يستلقي على الأرض بنظارته التي تتدلى من أذنه، ليستمع من الفُتحة تحت الباب.
كانت الخالة بتونيا تتحدث بصوت مرتعش ( انظر
إلى العنوان يا فرنون، كيف يمكنهم أن يعرفوا أين ينام، أتعتقد أنهم يراقبون
المنزل؟)
تمتم العم فرنون بغضب شديد( يراقبون ويتجسسون،
بل ربما يتتبعون خطواتِنا أيضا)
(ماذا سنفعلُ إذا؟ هل ينبغي علينا أن نكتبَ
لهم؟ أن نخبرهم أننا لا نريد...)
كان يمكن لهاري أن يرى حذاء العمِ فرنون
الأسودَ اللامع، بينما يقطعُ المطبخَ ذهابا وإيابا، حتى قال أخيرا ( لا ، سوف
نتجاهلهم، إذا لم يتلقوْا إجابة منا.... نعم .. هذا أفضل ... لن نفعل أي شيء)
(ولكن)
( لا يا بتونيا، لن يكون هناك واحدا في هذا
المنزل، ألم نقسم في الليلة التي أخذناه فيها أننا سنضع حدا لكل هذا الهراء)
وفي المساء، وبعدما عاد العم فرنون من عمله،
قام بشيء لم يفعلْه أبدا من قبل، قام بزيارة هاري في خزانته
بمجرد أن دخل من الباب قال له هاري ( أين
خطابي؟ من يكتب لي؟)
أجاب فرنون باقتضاب( لا احد، لقد وُجه إليك
عن طريق الخطأ، لقد أحرقته)
لكن هاري قال بغضب ( لم يكن خطأً، لقد كتب
عليه عنوان خزانتي)
صرخ العم فرنون( اصمت)، فسقطت بعض العناكب من
سقف الخزانة، تنفسَ بعمق وحاولَ رسمَ
ابتسامةٍ على وجهِه ، بالرغم من ان ذلك كان يبدو مؤلما له جدا ، ثم قال (اممم،
نعم، بالنسبة لهذه الخزانة يا هاري، فقد رأيت أنا وخالتُك أنك قد أصبحت أكبر من أن
تنام فيها، لذلك فقد فكرنا انه ربما من الأفضل لو أنك انتقلت إلى غرفةِ نوم دادلي
الأخرى)
قال هاري ( لماذا)
أجاب عمُه باقتضاب( لا تسأل أيَ أسئلة، هيا،
خذ هذه الأشياء إلى الأعلى، الآن)
كان بيتُ عائلة درسلي يتكونُ من أربعِ غرفٍ
للنوم، واحدةُ للعم فرنون والخالة بتونيا، وواحدةُ للضيوف ( عادةً ما تكون مارج
أختُ العم فرنون)، وواحدةٌ ينام بها دادلي، وأخرى يضع بها لعبَه وأشياءَه التي لن
تستوعبَها غرفةُ نومه الأولى.
لم يحتجْ هاري أكثر من مرة واحدة لينقِل كل
أشيائه من الخزانة تحت السلم إلى الغرفة العلوية، جلس هاري على السرير محدقا فيما
حوله، كان كلُ شيء في هذه الغرفةِ مكسورا أو معطلا، فهاهي كاميرا الفيديو التي لم يمضي
عليها أكثر من شهر، ترقد فوق الدبابة الصغيرة التي قادها دادلي مرة فوق كلب
الجيران، وهناك في ذلك الركن، يقبعُ أول تلفازِ حصل عليه دادلي ، والذي كسره بقدمه
عندما ألغوا برنامجَه المفضل، وهناك أيضا قفصُ طيور كبير، كان يحتوي يوما على
ببغاء، لكن دادلي قايضه في المدرسة ببندقية هوائية، تجدها ملقاةً على أحد الرفوف،
بعدما جلس عليها دادلي فانثنى طرفُها تماما، أما باقي الأرفف فكانت مليئة بالكتب التي
يبدوا عليها أنها الشيءُ الوحيدُ في الغرفة الذي لم تلمسه يد أبدا.
كان صوت دادلي يأتي من الأسفلِ بينما يصرخ في
أمه قائلا ( لا أريده في غرفتي، إنني أحتاجها، أخرجيه منها)
تنهد هاري وتمدد على السرير. بالأمس كان
ليفعل أي شيء ليكون هنا بالأعلى في هذه الغرفة، أما اليوم فإنه يفضل لو كان مازال
في خزانته ومعه ذلك الخطاب، على أن يكون هنا بدونه.
في صباح اليوم التالي، كان الجميع هادئين على
مائدة الإفطار، كان دادلي مصابا بصدمة شديدة، فقد جرب كل أساليبَه المعتادة
ليستعيد غرفته، ولكنها لم تفلح، لقد صرخ، ولكز أباه بعصا مدرسته، وادعى المرض،
وركل أمه، وألقى بسلحفاته من سطح صوبة النباتات ، ولكن ذلك كله لم يجدي نفعا.
أما هاري فكان يفكر في الوقت الذي تلقى فيه
خطابه بالأمس، ويتمنى بمرارة لو أنه فتح
الخطاب في الممر قبل أن يدخل إلى المطبخ، بينما العم فرنون والخالة بتونيا ينظران
إلى بعضهما، نظرات مليئةً بالغموض والترقب.
بعد قليل وصل البريد، بدا أن العمَ فرنون
يحاول ان يعامل هاري بلطف، فطلب من دادلي ان يذهب ليحضر البريد.
كان دادلي يضرب كل شيء في طريقه إلى الباب بعصا
سميلتنجس، وما لبث أن صاح ( خطاب آخر للسيد هاري بوتر ، غرفة النوم الصغرى، البيت
رقم 4 شارع بريفت درايف)
قفز العم فرنون من مقعده وهو يصرخ صرخة
مكتومة، وأسرع إلى الصالة يتبعه هاري، ليأخذ الخطاب من دادلي قبل أن يفتحه. كانت
مهمته شديدة الصعوبة، فقد اضطر لمصارعة دادلي وطرحه أرضا ، بينما يتعلق هاري في
رقبته من الخلف، محاولا هو الآخر الوصول إلى الخطاب.
بعد لحظات من الاشتباك في قتال نال فيه كل
منهم حظه من الضرب بعصا سميلتنجس، اعتدل العم فرنون وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة،
قابضا على خطاب هاري في يده، ثم قال لهاري وهو مازال يلهث( اذهب إلى خزانتك .....
أقصد إلى غرفتك)
ثم قال ( أنت أيضا يا دادلي اذهب إلى......
فقط اذهب من هنا )
كان هاري يقطع غرفته ذهابا وإيابا مرارا
وتكرارا ، بينما يفكر فيما حدث، أحدُهم يعلمُ أنه انتقل من الخزانة إلى غرفة النوم
الصغرى، بل يعلمُ أيضا انه لم يتلقى خطابه الأول، بالتأكيد سيعلمُ أنه لم يتلقى
الثاني كذلك، وسيحاول مرة أخرى ، وهذه المرة سيعمل هاري جاهدا للحصول على الخطاب،
فلديه خطة.
في السادسة صباحا، دق جرس المنبه فأطفاه هاري
بسرعة، وارتدى ملابسه في هدوء، ثم تسلل إلى الأسفل دون ان يضيء أيا من المصابيح، فلا
يمكنه ان يخاطر بإيقاظ أي من آل درسلي.
كان ينوي انتظار ساعي البريد على ناصية شارع
بريفت درايف، واستلام خطابات المنزل رقم 4 قبل أن يحضرها ساعي البريد بنفسه إلى
المنزل. كان قلبه يدق بعنف وهو يتسلل عبر الصالة المظلمة في اتجاه الباب الأمامي،
ولكنه انتفض فجأة وقفز في الهواء، فقد تعثر في شيء كبير لين فوق سجادة المدخل، شيءٍ
حي
أضيئت أنوار الدوْر العلوي، فأدرك هاري برعب
شديد، أن الشيء اللين الذي تعثر فيه كان وجهَ العم فرنون، الذي قضى الليلَ نائما
في حقيبة النوم أمام الباب الأمامي، ليمنع هاري من تنفيذ خطته، التي يبدوا أنه
توقع منه التفكير فيها.
ولحوالَيْ نصف ساعة ، كان العم فرنون يصرخ في
هاري، ثم أمره أن يذهب ليعد له كُوبا من الشاي، اتجه هاري إلى المطبخ يملؤه الحزن
والبؤس، وعندما عاد ، كان البريد قد وصل بالفعل ونزل من فتحة الباب إلى يدي العم
فرنون مباشرة. استطاع هاري أن يرى من بين الخطابات، ثلاثَ خطابات مكتوبة بالحبر
الأخضر، وقبل أن يستطيعَ المطالبةَ بهم، كان عمُه قد مزقهم أمام عينيه.
لم يذهب العم فرنون إلى عمله في ذلك اليوم،
بل بقيَ في المنزل ليتأكد من عدم وصول أيُ خطابات أخرى، لذلك فقد أحضر قطعة من
الخشب وبعض المسامير وقام بإغلاق فُتحة البريد نهائيا.
كان يشرحُ للخالة بتونيا وفمُه مليئٌ
بالمسامير ( أتريْنَ يا عزيزتي، إذا فشلوا في توصيل الخطابات، فسييأسون من الأمر )
لكن الخالة بتونيا لم تكن توافقه الرأي ، فقد
قالت ( لكنني لست متأكدة من أن ذلك سيجدي نفعا يا فرنون)
حاول العم فرنون دق أحدَ المسامير مستخدما
قطعة من كعك الفواكه التي أحضرته له الخالة بيتونيا، وهو يقول ( لا يا بتونيا ، ان
عقول هؤلاء الناس تعمل بطريقة غريبة ، إنهم ليسوا مثلي ومثلك)
وفي يوم الجمعة، وصل ما لايقل عن اثني عشر
خطابا لهاري، ولما كانوا لا يستطيعون الدخول من فتحة البريد، فقد دُفعوا من تحت
الباب ومن جوانبه، حتى ان بعضهم دُفع من النافذة الصغيرةِ لحمام الدَوْر الأرضيِّ.
لم يذهبْ العم فرنون إلى العمل في ذلك اليوم
أيضا، فبعد أن قام بحرق كل الخطابات، أحضر المطرقة والمسامير والخشب، واغلق كل
الثغرات في الباب الأمامي والخلفي، فلم يعد بإمكان أي أحد الخروج من المنزل، كان
يدندن بعصبية أثناء ذلك، ويقفز مرتعبا مع أي ضجة.
وفي يوم السبت ، بدأتْ الأمور في الخروج عن
السيطرة، فقد وصل لهاري 24 خطابا ، وجدوا طريقهم إلى داخل المنزل عن طريق البيض
الذي سلمه البائع المضطرب إلى الخالة بتونيا من نافذة حجرة الجلوس، فقد كانت كلُ
بيضة من ال24 بيضة تحتوي على خطاب ملفوف ومخبأ بداخلها، وبينما كان العم فرنون
يجري اتصالات غاضبة بمكتب البريد وبائع البيض، محاولا إيجاد اي شخص يشتكي له ما
حدث، كانت الخالة بتونيا تفرم الخطابات في محضرة الطعام.
أما دادلي فقد سأل هاري بذهول ( يا إلهي ، من
الذي يصر على الاتصال بك كل هذا الإصرار؟)
وفي صباح الأحد، جلس العم فرنون على طاولة
الإفطار منهكا، بل أقرب ما يكون إلى المرض ، ولكنه كان سعيدا، تناثرت بعض المُربى
على جريدته وهو يردد ببهجة مذكرا إياهم (لن يأتيَ البريد اللعين اليوم، فلا بريد
يوم الأحد)
كان لا يزالُ يردد تلك العبارة، عندما اندفع شيءٌ من
مدخنة المطبخ ونقره بشدة على مؤخرة رأسه،
وفي ثواني كان ما يزيد عن ثلاثين أو أربعين خطابا يخرجون من المدخنة مندفعين
كالرصاص. انحنى أل درسلي متفادين الخطابات المندفعة، بينما قفز هاري في الهواء
محاولا الإمساك بأحدِها.
حمل العم فرنون هاري من وسطه وقذفه خارج
المطبخ وهو يصرخ،( إلى الخارج، إلى الخارج)، وبعدما خرج دادلى والخالةُ بتونيا
مسرعان وهما يغطيان وجهيهما بأيديهما، أغلق البابَ خلفهما بقوة.
كان باستطاعتهم سماعُ سيل الخطابات وهو يندفع
من المدخنة ويرتطم بالحوائط ثم يسقط على الأرض.
( لقد طفح الكيل) كان العم فرنون يحاول أن
يتكلم بهدوء، بالرغم من أنه كان يشد شعر شاربه بشدة، ويقتلع العديد من شعيراته في
كل مرة،( هيا ، أريدكم جميعا هنا بعد خمسِ دقائقَ جاهزين للمغادرة، سنذهبُ بعيدا
من هنا، احزموا بعض الملابسِ فقط ، لا أريد أي نقاش او جدال)
مع غياب نصفِ شاربه، كان يبدوا أخطرَ من أن
يجرُأَ احدٌ على مجادلته.
وفي خلال عشرِ دقائق كانوا جميعا يشقون
طريقهم بصعوبةٍ عبر الأبوابِ المثبتةِ بالألواح، ويركبون السيارةَ متجهين إلى
الطريق السريع.
كان دادلي يبكي بصوت مكتوم في المقعد الخلفي
للسيارة، فقد ضربه والده على رأسه، لأنه كان السببُ في تأخيرهم ، حيث كان يحاول
وضع التلفاز وجهاز الفيديو والكمبيوتر في حقيبته الرياضية.
أخذ العم فرنون يقودُ السيارة على غير هدى لمسافات
طويلة، وبين الحين والآخر ، ينعطف فجأة
ليسير في عكس الاتجاه لبعض الوقت، وهو يردد ( سأتخلص منهم، سأضللهم)، لم تملك
الخالة بتونيا الشجاعة الكافية للسؤال عن وجهتهم، حتى انهم لم يتوقفوا من أجل
تناول الطعام او الشراب طوال اليوم، وبحلول الليل كان دادلي يصرخ من الجوع، فلم
يسبق له ان مر في حياته بيوم سيء كهذا اليوم، فقد كان جائعا ، ولم يستطع مشاهدة
خمس من برامج التلفاز المفضلة لديه، ولم يقضِ كل هذا الوقتَ من قبلُ بدون ان يلعب
بألعاب الكمبيوتر، ويفجرُ بعض الفضائيين.
أخيرا توقف العم فرنون امام فندق كئيب على
حدود احدى المدن الكبيرة، اضطر دادلي أن يشارك هاري غرفة ذات سريرين، تغطيهِما
ملاءات رطبة متسخة، وبينما غط دادلي في نوم عميق على الفور، قضى هاري الليلة بجانب
النافذة، منشغل البال ، يحدق في أضواء السيارات المارة على الطريق.
في الصباح، كان عليهم تناول بعض حبوب الإفطار
اليابسة و طماطم معلبة باردة مع شرائح الخبز، لم يكادوا ينتهون من تناول إفطارهم،
حتى حضرت مالكة الفندق إلى طاولتهم و قالت ( معذرة، هل أحدكم هو السيد هاري بوتر،
لقد وجدت اكثر من مائة خطاب موجهة إليه، على مكتب الاستقبال)
كانت تمسك خطابا في يديها وتعرض عليهم الاسم
والعنوان المكتوب عليه
السيد هاري بوتر، الغرفة 17 ، فندق ريل فيو،
كوك ورث
حاول هاري الوصول إلى الخطاب في يد السيدة،
ولكن العم فرنون أزاح يده وقال للسيدة التي كانت تحدق بهم ( سأستلمهم أنا) ونهض
مسرعا ليلحق بالسيدة إلى مكتب الاستقبال.
عاد العم فرنون لقيادةِ السيارة بلا هدف،
وبعد ساعات من القيادة، حاولت الخالة بتونيا الحديث معه بحذر (أليس من الأفضل أن
نعود إلى المنزل يا عزيزي؟)، ولكن يبدوا أنه لم يكن يسمُعها، فقد كان منشغلا في البحث
عن شيء ما، شيء لم يستطع أيُ منهم معرفته.
وهكذا قضى العم فرنون اليوم، يقودهم إلى وسط
اللا مكان وينزل من السيارة فينظر يُمنة ويُسرة ثم يهز رأسه ويعود إلى السيارة
ويتابع القيادة مرة اخرى.
قادهم إلى قلب الغابة ثم قادهم إلى منتصف حقل
فارغ ، ثم إلى منتصف جسر معلق، ثم إلى قمة مرآب سيارات متعدد الطوابق، وفي كل مرة
يخرج من السيارة فينظر حوله قليلا ثم يهز رأسه ويعود إلى السيارة ، ثم يتابع
القيادة مرة اخرى.
وعندما وصلوا إلى الساحل بعد ظهر ذلك اليوم،
خرج العم فرنون من السيارة وأغلقها عليهم ثم اختفى، حتى ان دادلي قال لوالدته ببرود ( لقد جن والدي، أليس كذلك؟)
بدأ المطر في السقوط، حبات كبيرة من المطر
كانت تضرب سقف السيارة، بينما دادلي ينشج مخبرا امه ( انه يوم الاثنين، سيذيعون
برنامجي المفضل الليلة، أريد أن أذهب إلى مكان به تلفاز)
يوم الاثنين؟ عندها تذكرَ هاري شيئا، إذا كان
اليوم هو الاثنين، وهو بالتاكيد الاثنين، لأنك تستطيعُ الاعتماد على دادلي في
معرفة ايام الأسبوع، بسبب برامج التلفاز طبعا، إذا فغدا الثلاثاء سيكون يوم ذكرى
ميلاد هاري الحادية عشر.
بالطبع لم يكن يومُ ميلاده باليوم المبهج
أبدا، في العام الماضي مثلا، اهدته عائلة درسلي شماعة ملابس وزوجا من جوارب العم فرنون
القديمة، ولكن مهما كان فإن المرء لا يبلغ عامه الحادي عشر كل يوم.
عاد العم فرنون مبتسما، حاملا معه كيسا طويلا
رفيعا، لكنه لم يجب الخالة بتونيا عندما سألته عما اشتراه، و قال ( هيا اخرجوا
جميعا من السيارة، فقد وجدت المكان المناسب)
كان الجو خارج السيارة شديد البرودة، أشار
العم فرنون إلى ما يبدو انها صخرة كبيرة ترقد بعيدا في قلب البحر، وعلى قمتها يظهر
أسوء كوخ يمكنك تخيله، حيث من المستحيل أن يجد دادلي التلفاز الذي أراده.
وبابتهاج غريب، تخلله بعض التصفيقات ، قال
العم فرنون ( العاصفة تقترب، وقد وافق هذا السيد المحترم على إعارتنا قاربه بكل
لطف)
وهنا ظهر رجل عجوز بلا اسنان، وأشار بابتسامة
لئيمة إلى قارب تجديف متهالك يتمايل مع الأمواج الرمادية الباردة أسفل منهم.
وأكمل العم فرنون( هيا اصعدوا إلى القارب،
فقد اشتريت لكم بعض الطعام بالفعل)
كان الجو شديد البرودة على القارب، فبينما تناثر
على وجوههم رذاذ من ماء البحر المثلج، انحدرت قطرات المطر على رقابهم ببطء، وضربت
الريح الباردة وجوههم. بالرغم من أن الصخرة لم تكن بهذا البعد، فقد شعروا ان
الرحلة إليها استغرقت ساعات، وعندما وصلوها، قادهم العم فرنون عبر الطريق الزلقة
إلى الكوخ المتهدم.
كان داخل الكوخ لا يقل بشاعة عن خارجه، فقد
كانت تفوح منه رائحة الطحالب البحرية، والريح تصفر من خلال الفتحات التي تملؤ
حوائطه الخشبية، وكانت المدفأة باردة وخالية من الأخشاب، ولم يكن بالكوخ إلا غرفتين
فقط.
اتضح بعد ذلك أن الطعام الذي جلبه العم فرنون
كان عبارة عن كيس من رقائق البطاطس المقرمشة وموْزة واحدة فقط لكل منهم.
حاول العم فرنون إشعال النار في المدفأة
باستخدام أكياس رقائق البطاطس الفارغة، ولكن الأكياس لم تشتعل ، بل خرج منها بعض
الدخان قبل أن تنطفئ تماما، ولكنه قال بمرح لا يناسب الموقف ( كان يمكننا أن
نشعلها ببعض من تلك الخطابات)، كان في مزاج جيدٍ جدا، فمن الواضح أنه اعتقد أنه لا
يمكن لأي شخص أن يصل إليهم هنا في هذه العاصفة ليسلمهم أي خطابات.
كان هاري يوافقه الرأي بالفعل، إلا أن هذه
الفكرة لم تشعره بأية بهجة.
ومع هبوط الليل، كانت العاصفةُ المنتظرةُ قد
وصلت إليهم بالفعل، فرذاذُ الأمواج كان يتناثر على جدران الكوخ، والرياحُ القوية
تضرب نوافذه المحطمة. وجدت الخالة بتونيا بعض الملاءات المتسخة في الغرفة الأخرى،
فوضعتهم على الأريكة المهترئة، لتصنعَ لدادلي سريرا للنوم، بينما ذهبت هي والعم
فرنون للنوم على السرير المليء بالكتل في الغرفة المجاورة، وتركوا هاري ليبحث
لنفسه عن أكثرِ بقعة لينة من الأرضية لينام فوقها ملتفا ببطانية خفيفة ممزقة.
كانت العاصفةُ تشتد وتشتد مع مرور ساعات
الليل، ولم يستطع هاري النوم، فقد كان يتقلبُ مرتجفا من البرد، وهو يحاول إيجادَ وضعية
مريحة للنوم على الأرضية المتعرجة، بينما يعتصر الجوع معدَته.
مع اقتراب منتصف الليل، كان صوت الرعد يغطي على صوت غطيط دادلي الغارق في
النوم، بينما الضوءُ الخافتُ الصادرُ من ساعة يده المتدلية من على حافة الأريكة،
يخبرُ هاري بأنه سيتم عامَه الحاديَ عشر بعض عشر دقائق من الآن. استلقى هاري يتابعُ
دقاتَ الساعةِ التي تحسب الدقائق الباقية على ذكرى ميلاده، متسائلا إن كانت عائلة
درسلي ستتذكر عيد ميلاده على الإطلاق، ومتسائلا أيضا عن مكان الشخص الذي يكتب له
الخطابات الآن.
باقي خمسُ دقائق على ذكرى يوم ميلاده، سمع هاري صوتَ صرير بالخارج، وتمنى
ألا يسقط سقف الكوخ عليهم، بالرغم من ان الجو قد يكون أكثرَ دفئا لو حدث ذلك.
باقي أربعُ دقائق، ربما سيكون المنزلُ رقمُ 4 في بريفت درايف ممتلأ
بالخطابات عند عودتهم، فيستطيعُ إخفاءَ احدها بطريقة ما.
باقي ثلاثُ دقائق، هل كان ذلك صوتُ أمواجِ البحر تضرب الصخرة بقوة؟
باقي دقيقتان، ماذا كانت تلك الضوضاءُ التي تشبهُ صوت تحطم غريب؟ هل تنهارُ
الصخرةُ في البحر؟
باقي دقيقة واحدة فقط، ويُتم عامه الحاديَ عشر، ثلاثون ثانية، عشرون، عشرة،
تسعة، ربما يوقظُ دادلي من نومِه ليضايقه فقط، ثلاثة، اثنان، واحد
بووووم اهتز الكوخ بشدة، وقفز هاري من مكانه معتدلا،
محدقا في باب الكوخ، كان هناك شخص بالخارج يدق الباب بقوة، يطلب الإذن بالدخول.
0 تعليقات