مر ما يقرب من عشر سنوات، على اليوم الذي
استيقظ فيه آل دارسلي، ليصطدموا بقريبهم النائم على سلمهم الأمامي.
لكن شيئا لم يتغير في شارع بريفت درايف،
فمازالت الشمس تشرق كل صباح، على الحدائق الأمامية المنسقة بعناية، وتنعكس آشعتها
فتضيء لافتة الرقم 4 النحاسية، المعلقة على الباب الأمامي لعائلة دارسلي، ثم تتسلل
إلى غرفة معيشتهم التي لازالت على حالها منذ الليلة التي شاهد فيها السيد دارسلي
الأخبار الغريبة عن البوم.
وحدها الصور المعلقة على المدفأة تظهر كم مضى
من الوقت فعلا
قبل عشر سنوات كان هناك العديد من الصور لما
يشبه كرة شاطيء وردية اللون ترتدي قبعات
مختلفة الألوان، لكن دادلي دارسلي لم يعد طفلا صغيرا، لقد أصبح ولدا أشقرا ضخم
البنية، يظهر في صورة وهو يركب دراجته لأول مرة، وصورة وهو يركب الأرجوحة الدوارة
في المهرجان، وهاهي صورة أخرى لدادلي يلعب مع أبيه بألعاب الكمبيوتر، وصورة له
بينما تحتضنه أمه وتقبله.
لا شيء في الحجرة يدل أبدا على وجود ولد آخر
في المنزل، لكن هاري بوتر كان لايزال يعيش في منزل عائلة درسلي.
كان هاري نائما في هذه الأثناء، لكن ذلك لن
يستمر طويلا، فقد استيقظت خالته بيتونيا للتو، وماهي إلا لحظات حتى يشق صوتها الحاد المزعج
سكون الصباح لتوقظ هاري من نومه ( استيقظ ، هيا انهض ، حالا)
قطع صوتها الحاد نومه فجأة وقبل أن يفيق،
كانت تدق على الباب مرة أخرى ( هيا، أفق)
سمع هاري وقع خطواتها وهي تتجه إلى المطبخ ،
ثم سمع صوت وضع الإناء على الموقد.
تقلب هاري في فراشه محاولا تذكر حلم ليلة
البارحة، لقد كان حلما جميلا ، رأى به دراجة نارية تطير، كان لديه شعور غريب بأنه
رأى هذا الحلم من قبل.
عادت خالته لتقف خلف بابه وتطالبه بالنهوض(
هل استيقظت بعد؟)
(تقريبا) أجاب هاري
( فلتنهض إذا، أريدك أن تباشر الأكل على
الموقد، إياك أن تحرقه، فأنا أريد أن يكون كل شيئ مثاليا في يوم ميلاد دادي)
تذمر هاري
قالت
الخالة بيتونيا بحدة من وراء الباب ( ماذا قلت؟)
لا شيء ، لا شيء
يوم ميلاد دادلي، كيف له أن ينسى مثل ذلك
اليوم
نهض هاري من فراشه ببطء، وبدأ في البحث عن
جواربه، وجد زوجا منهم تحت الفراش، وعندما شرع في ارتدائه وجد عنكبوتا صغيرا يختبئ
بداخله،
نزع هاري العنكبوت بلا مبالاة وأكمل ارتداء
الجورب،
كان هاري معتادا على وجود العناكب، حيث كان
يتقاسم غرفته معهم، هذا إذا سميناها غرفة ، كان هاري والعناكب يعيشون معا في
الخزانة تحت السلم.
بعدما انتهى من ارتداء ملابسه،اتجه هاري إلى
المطبخ.
كانت منضدة المطبخ تكاد تختفي تحت هدايا عيد
ميلاد دادلي، يبدو أن دادلي قد حصل على الكمبيوتر الجديد الذي أراده، كما حصل على
تلفاز ثاني إضافي ودراجة سباق.
كان سبب رغبة دادلي في دراجة سباق ، لغز لم
يفهمه هاري، فقد كان دادلي فتى سمين قليل الحركة يكره ممارسة الرياضة، إلا إن كانت
تتضمن لَكْم شخص ما،
كان
هاري هدف لكماته المفضل، هذا إن استطاع الإمساك به، فقد كان سريعا جدا ، وإن لم
يبدو عليه ذلك.
كان هاري فتى شاحبا، نحيفا هزيلا بالنسبة
لأقرانه، ربما كان لذلك علاقة بإقامته في خزانة باردة مظلمة تحت السلم.
كان دائما ما يرتدي ملابس دادلي القديمة الذى
كان حجمه أكبر من حجم هاري بأربع مرات، حتى أنه كان يبدو أصغر وأنحف مما هو في
الحقيقة.
كان لهاري وجه رفيع وشعر أسود وعينان
خضراوتان لامعتان، يرتدي فوقهما نظارة دائرية مثبتة بشريط لاصق، حيث كان دادلي
دائما ما يلكمه على أنفه ويتسبب في كسر نظارته.
أما الشيء الوحيد الذي كان هاري يحبه فى
مظهره، فقد كان علامة صغيرة على جبهته تشبه البرق،
كانت هذه العلامة تزين جبهته منذ بدأ التعرف
على شكله، لم يكن يذكر كيف أو متى حصل عليها، وكان هذا أول سؤال يتذكر أنه سأله
لخالته
( لقد حصلت عليها في حادث السيارة الذي توفي
فيه والديك،... توقف عن طرح الأسئلة؟)
(توقف عن طرح الأسئلة) كانت هذه هي القاعدة
الأولى لحياة هادئة في بيت عائلة دارسلي
بينما يقلب هاري الطعام على الموقد، دخل العم
فرنون إلى المطبخ قائلا بحدة (مشط شعرك) ،
كانت هذه هي التحية التي يلقيها على هاري كل صباح
كان العم فرنون ينظر من فوق جريدته مرة على
الأقل كل أسبوع، صارخا حول هاري الذي يجب أن يقص شعره.
قص هاري شعره مرات كثيرة ، ربما تفوق عدد
المرات التي قص فيها جميع زملائه في الفصل شعرهم مجتمعين، ولكن ذلك كان بلا فائدة،
مهما قص هاري شعره، كان ينمو ثانية بكثافة
وسرعة عجيبة.
كان هاري يقوم بطهي البيض، عندما دخل دادلي
ووالدته إلى المطبخ.
يشبه دادلي العم فرنون تماما، بوجهه الأحمر
الممتلئ ورقبته القصيرة وعينيه الزرقاء الضيقة وشعره الأصفر الناعم الذي يغطي رأسه
الضخم.
كانت الخالة بيتونبا دائما ماتشبهه بالملاك
الصغير ولكن هاري كان يشبهه بخنزير صغير يرتدي باروكة.
وضع هاري أطباق الطعام بصعوبة على المنضدة
المغطاة بالهدايا،
وبينما كان دادلي يحصي هداياه، تغير وجهه
فجأة ونظر إلى والديه بغضب قائلا( إنها ستة وثلاثون، أقل هديتين عن العام الماضي)
( انتظر قليلا يا صغيري، فأنت لم تحصي هدية
العمة مارج بعد،أترى، إنها هناك أسفل الهدية الكبيرة التي أحضرتها لك أنا ووالدك)
حسنا ، هكذا أصبح عدد الهدايا سبعة وثلاثين )
كان وجه دادلي يزداد احمرار مع كل كلمة
شعر هاري باقتراب نوبة من نوبات غضب دادلي
العنيفة، فأسرع يلتهم طعامه قبل أن يقلب دادلي المنضدة بما عليها من هدايا وطعام.
استشعرت الخالة بيتونيا الخطر القادم أيضا
فأسرعت قائلة( وسنشتري لك هديتين إضافيتين عندما نخرج اليوم، ما رأيك في هذا يا
ملاكي الصغير ؟)
استغرق دادلي في التفكير للحظات وكأنه أمام
معضلة حسابية، ثم قال ببطء
( هذا يجعلهاااااا يجعلهااااااا)
(تسعة وثلاثين يا عزيزي)
(حسنا إذا) ثم جلس وهو يجذب إليه أقرب
الهدايا ويبدأ في فتح غلافها
قهقه العم فرنون وأخذ يداعب شعر دادلي وهو
يقول ( ياله من صغير ماكر يتقن انتهاز الفرص والاستفادة منها لأقصى درجة، فعلا
الولد سر أبيه)
ارتفع صوت رنين الهاتف، فذهبت الخالة بيتونيا
للرد عليه، بينما جلس هاري والعم فرنون يتابعان دادلي وهو يفتح هداياه، دراجة
سباق، جهاز فيديو مع الكاميرا الخاصة به، طائرة ذات تحكم عن بعد وستة عشرة لعبة
جديدة للكمبيوتر
كان دادلي يزيل الغلاف عن ساعة ذهبية ، عندما
عادت الخالة بيتونيا باديا عليها الغضب والقلق
( لدي أخبار سيئة يا فرنون، لقد كُسرت ساق
السيدة فيج ولن تستطيع الاعتناء به) كانت تشير لهاري وهي تتحدث.
وقع فك دادلي من الرعب، بينما قفز قلب هاري
من الفرحة
كل عام في يوم ميلاد دادلي، يأخذه والديه هو وأحد أصدقائه لقضاء اليوم خارج المنزل،مرة يذهبون إلى الملاهي، ومرة إلى مطعم البرجر، وأخرى إلى السينما.
وفي كل عام كانوا يتركون هاري في رعاية
جارتهم العجوز غريبة الأطوار، السيدة فيج.
كان هاري يكره الذهاب إلى بيت هذه الجارة،
فقد كانت رائحة البيت مثل رائحة الملفوف، أما السيدة فج فكانت تجعل هاري يقضي
اليوم في النظر إلى صور كل القطط التي امتلكتها يوما.
نظرت الخالة بتونيا إلى هاري بغضب وكأنه خطط
لحدوث كل ذلك وقالت ( مالذي سنفعله الان؟)
كان هاري يعلم أنه ينبغي عليه الشعور بالأسف
حيال إصابة السيدة فج ، ولكن ذلك بدا صعبا كلما تذكر أنه لن يضطر إلى النظر إلى
صور قططها حتى العام القادم.
( يمكننا الاتصال بمارج) كان ذلك اقتراح العم
فرنون
( لا تكن سخيفا يافرنون ، إنها تكره الولد)
كانت هذه هي الطريقة التي يتحدث بها آل درسلي
عن هاري دائما، وكأنه غير موجود، بل أكثر من ذلك، كأنه شيء كريه لا يعقل.
(إذا أيمكننا الاتصال بصديقتك تلك..... ما
اسمها؟..... اه إيفون)
أجابت باقتضاب ( لا ، إنها في إجازة في
مايوركا)
( يمكنكم تركي هنا) هكذا قال هاري آملا أن
يوافقوا، حينها يمكنه مشاهدة مايرغب من برامج التلفاز، بدلا من مشاهدة برامج دادلي
المفضلة طول الوقت، بل ربما استطاع أيضا أن يستخدم حاسوبه لبعض الوقت.
نظرت إليه خالته باشمئزاز وكأنها ابتلعت
ليمونة لتوها، و قالت ( ثم نعود لنجدك قد دمرت المنزل)
( لن أخرب شيئا) ولكن أحدا لم يستمع له
قالت الخالة بتونيا ببطء( يمكننا أن نأخذه لحديقة
الحيوان،... ونتركه في السيارة)
(بالطبع لا، فالسيارة جديدة ولن أتركه فيها
وحيدا أبدا)
بدأ دادلي بالنحيب، في الواقع لم يكن دادلي
يبكي فعلا، إنه لم يضطر للبكاء بصدق منذ سنين، ولكنه تعلم أنه لو قطب جبينه وناح
قليلا، فستعطيه أمه كل مايريده.
صاحت أمه وهي تحيطه بذراعيها ( لا تبكي يا
صغيري الجميل، أمك لن تتركه يفسد يوم ميلادك)
صرخ دادلي من بين نوبات نشيجه المصطنعة(
لا....لا... أريده أن يأتيييييي،
إنه دائما ما يفسد كل شييييء) ورمى هاري
بابتسامة لئيمة من خلال فجوة بين ذراعي أمه.
رن
جرس الباب، قالت الخالة بتونيا بذعر( يا إلهي، لقد وصلوا)
وبعد لحظة، كان صديق دادلي المقرب بييرس
بولكس يدخل إلى الغرفة بصحبة أمه.
كان بيرس ولدا نحيفا ذو وجه يشبه وجه الفأر،
وكان هو من يثبت أيدي الأولاد خلف ظهورهم بينما يضربهم دادلي.
توقف دادلي عن التظاهر بالبكاء فور دخولهم.
وبعد نصف ساعة كان هاري الذي تملؤه الدهشة
لحسن حظه، يجلس في المقعد الخلفي لسيارة عائلة درسلي مع دادلي وبيرس، في طريقه إلى
حديقة الحيوانات لأول مرة في حياته.
لم تجد خالته و زوجها أي طريقة للتخلص منه،
فاضطروا لاصطحابه معهم.
جذب العم فرنون هاري جانبا قبل أن يغادروا،
واقترب منه بوجهه شديد الحمرة وهو يقول ( إنني أحذرك يا ولد، إذا قمت بأي شيء
خاطيء، أي شيء على الإطلاق، ستحبس في خزانتك إلى نهاية العام)
( لن أفعل أي شيء..... صدقني)
لكن العم فرنون لم يصدقه، لم يصدق أحدا هاري
أبدا.
للأسف، كانت الأشياء الغريبة دائما ما تحدث
لهاري، ولم يفلح أبدا في إقناع عائلة درسلي أنه ليس السبب في حدوثها.
ذات مرة، وبعد أن نفذ صبر الخالة بتونيا من
عودة هاري من عند الحلاق وكأنه لم يقص شعره على الإطلاق، امسكت بمقص المطبخ وقصت
شعره حتي لم يعد على رأسه شعر تقريبا، لكنها تركت الخصلات التي تغطي جبهته كما هي
(حتي تخفي ندبته اللعينة)
قضى دادلي طول النهار يسخر من هاري، وقضى
هاري ليلة طويلة بلا نوم في خزانته ، يفكر فيما سيحدث له غدا في المدرسة، عندما
يذهب بشعره هذا و يراه التلاميذ الذين كانوا لا يكفون أصلا عن السخرية من ملابسه
القديمة الفضفاضة ونظارته المثبتة بالشريط اللاصق.
استسلم هاري أخيرا للنوم، وعندما استيقظ
صباحا كان شعره قد عاد إلى طوله الطبيعي وكأن خالته لم تقص منه سنتيمترا واحدا
كادت خالته بتونيا أن تجن عندما رأت شعره
وعاقبته بالحبس أسبوعا كاملا في خزانته، بالرغم من أنه حاول جاهدا أن يشرح لها،
أنه من المستحيل أن يكون هو السبب في نمو شعره بهذه السرعة.
وفي مرة أخرى ، كانت الخالة بتونيا مصرة على
أن تجعله يرتدي سترة دادلي القديمة، كانت سترة بنية مزينة بكرات برتقالية، ولم يكن
هاري يريد ارتدائها كلما حاولت أن تدخلها في رأسه انكمشت، حتى أصبحت لا تناسب إلا لعبة
صغيرة، لحسن حظه قالت خالته أنها بالتأكيد قد انكمشت أثناء الغسيل، ولم تعاقبه هذه
المرة.
لكن المرة التي وقع فيها حقا في مأزق ، كانت
تلك المرة التي وجدوه فيها فوق سطح مطبخ المدرسة.كان دادلي وعصابته يطاردون هاري،
وكم كانت دهشته ودهشة الآخرين عندما وجد نفسه جالسا على مدخنة المطبخ.في ذلك اليوم
تلقت عائلة درسلي خطابا شديد الغضب من المديرة تشتكي من تسلق هاري لمباني المدرسة.
حاول هاري أن يخبر العم فرنون ،من وراء باب
خزانته المغلق، أن كل فعله هو القفز وراء صناديق القمامة بجانب باب المطبخ ، وأنه
ربما تكون الريح قد حملته لأعلى بينما يقفز.
لكن لا شيء سيحدث اليوم، ربما سيقضي اليوم مع
دادلي وبيرس، ولكن ذلك أفضل من قضاءه في المدرسة أو الخزانة أو بيت السيدة فيج
التي تفوح منه رائحة الملفوف.
وبينما كان العم فرنون يقود سيارته في الطريق
إلى حديقة الحيوان، كان يتذمر ويشتكي للخالة بتونيا كما يحب أن يفعل دائما، يتذمر
من زملائه في العمل وهاري ، ثم من المجلس وهاري، ثم من المصرف وهاري.
أما في هذا الصباح فكان يتذمر من الدرجات
البخارية.
مرت دراجة بخارية مسرعة بجانبهم ثم تخطتهم
فصاح بغضب ( يالهؤلاء المجانين الذين يقودون درجاتهم البخارية بسرعة تجعلها تهدر
كالرعد)
فجأة، تذكر هاري حلم ليلة البارحة فقال ( لقد
رأيت حلما عن الدراجات البخارية، لقد كانت تطير)
كاد العم فرنون أن يصطدم بالسيارة التي
أمامه،والتفت إلى هاري بوجهه الي أصبح يشبه ثمرة بنجر عملاقة ذات شارب وصرخ قائلا(
الدراجات البخارية لا تطيييييير)
أطلق دادلي وبيرس ضحكات ساخرة مكتومة
( أعرف أنها لا تطير، اقد كان ذلك مجرد حلم)
تمنى هاري لو أنه لم يذكر ذلك الحلم لهم، لو
كان هناك شيئا يكرهه آل درسلي أكثر من أسئلة هاري، فهو حديثه عن أي شيء يتصرف بشكل
غريب، لا يهم إن كان يروي حلما أو يتحدث عن الرسوم المتحركة، يبدوا أنهم يعتقدون
أن مثل هذه الأشياء قد توحي له بأفكار خطرة.
كان يوم سبت مشمس جدا، وكانت حديقة الحيوان
مزدحمة بالعائلات.
عند مدخل الحديقة توقفت عائلة درسلي عند عربة
المثلجات واشتروا لدادلي وبيرس قطعتي مثلجات كبيرة بالشكيولاتة، وقبل أن يستطيعوا
إبعاد هاري، كانت السيدة المبتسمة في عربة المثلجات قد سألته عن نكهته المفضلة،
فاضطروا لشراء قطعة من مثلجات الليمون الرخيصة من أجله.
استمتع هاري بطعمها فهي لم تكن سيئة على كل
حال، كان يلعقها بينما يشاهد غوريلا تحك رأسها، كانت الغوريلا تشبه دادلي كثيرا،
الفرق الوحيد بينهما ، أنها لم تكن شقراء.
كان أفضل صباح يقضيه هاري منذ فترة طويلة
مع اقتراب وقت الغداء كان دادلي وبيرس قد بدءا
في الشعور بالملل من مشاهدة الحيوانات ، لذلك حرص هاري على الابتعاد عنهما بمسافة
كافية تمنعهم من اللجوء للمارسة هوايتهم المفضلة في ضربه.
كانوا يتناولون الغداء في مطعم الحديقة، عندما
أصابت دادلي نوبة غضب لأن حلواه لم يكن عليها مثلجات كافية ، لذلك اشترى له العم
فرنون واحدة أخرى وسمح لهاري بإنهاء الأولى.
كان على هاري أن يعرف أن الأمر أفضل بكثير من
أن يدوم ( كذلك شعر فيما بعد)
بعد تناول الغداء، ذهبوا لبيت الزواحف الذي كان
باردا ومظلما ، إلا من بعض المصابيح التي تضيء الصناديق الزجاجية الموجودة على طول
الجدران.
كانت هذه الصناديق الزجاجية مليئة بأنواع
مختلفة من السحالي والتعابين التي تزحف على قطع من جزوع الأشجار والأحجار.
أراد دادلي وصديقه مشاهدة ثعابين الكوبرا السامة
العملاقة ، وثعابين الأصلة العاصرة، لذلك بحث دادلي حتى وجد أكبر ثعبان في بيت
الزواحف.
كان كبيرا لدرجة أنه يمكنه الالتفاف بجسده
حول سيارة العم فرنون مرتين وسحقها حتى تصبح في حجم سلة المهملات، لكن في هذه
اللحظة بالذات كان الثعبان يغط في نوم عميق.
لصق دادلي وجهه على زجاج الصندوق، محدقا في
الثعبان البني الملفوف حول نفسه، ثم قال لوالده متذمرا ( اجعله يتحرك)
نقر العم فرنون على الزجاج بأصابعه، ولكن
الثعبان لم يتحرك
(افعلها ثانية)
طرق العم فرنون الزجاج ولكن الثعبان استمر في
النوم
ابتعد دادلي متذمرا وهو يقول ( ياله من شيء
ممل)
اقترب هاري من الصندوق الزجاجي ونظر إلى
الثعبان باهتمام، لن يشعر بالدهشة أبدا إذا ما مات هذا الثعبان من الملل والوحدة،
فهو لا يرى طول اليوم، إلا هؤلاء الناس الأغبياء الذين يستمرون في الطرق على زجاج
صندوقه لدفعه للحركة، إن هذا أسوء من النوم في الخزانة حيث لا يزوره إلا الخالة
بتونيا التي تدق على الباب لإيقاظه، على الأقل يمكنه التجول في باقي أنحاء المنزل.
فتح الثعبان عينيه الصغيرة فجأة، ثم بدأ في
رفع رأسه ببطء شديد حتى تلاقت عيناه مع عيني هاري ، ثم غمز له.
حدق هاري في الثعبان، ثم نظر حوله بسرعة ليرى
إن كان هناك من يشاهده، وعندما وجد أنه لا أحد ينظر إليه، نظر للثعبان ثانية وغمز
له.
أشار الثعبان برأسه ناحية العم فرنون ودادلي،
ثم رفع عينيه إلى السقف، وكأنه يقول بكل وضوح ( هذا ما يحدث لي طوال الوقت)
غمغم هاري من وراء الزجاج ( أعرف)
لم يكن متأكدا إن كان يمكن للثعبان سماعه،
لكنه استمر في الحديث إليه( لابد أن ذلك يضايقك كثيرا؟)
أومأ الثعبان برأسه بحرارة
سأله هاري ( بالمناسبة، من أين أنت؟)
رفع الثعبان ذيله وأشار إلى لافتة بجانب
صندوقه الزجاجي
نظر هاري إلى اللافتة التي كتب عليها ( ثعبان
عاصر، موطنه البرازيل)
( هل هي بلد لطيفة؟)
أشار الثعبان إلى اللافتة مرة أخرى فأكمل
هاري قراءتها( هذا النوع يتكاثر في الحديقة)
( اه، فهمت، إذا انت لم تذهب إلى البرازيل من
قبل؟)
بمجرد أن أومأ الثعبان برأسه، انطلقت صرخة
مدوية جعلت هاري والثعبان يقفزان من الفزع
( دادلي، سيد درسلي، انظرا لهذا الثعبان، لن
تصدقا ما يفعله)
انطلق دادلي نحوهما بأسرع ما يمكنه ....(
ابتعد من الطريق ...هيا) قالها دادلي وهو يلكم هاري في ضلوعه
كانت اللكمة قوية ومفاجئة لدرجة أنها أوقعت
هاري بقوة على الأرض الإسمنتية.
ما
حدث بعد ذلك، حدث بسرعة شديدة ، لا أحد رأى كيف حدث
كان
دادلي وصديقه يقفان بالقرب من الصندوق الزجاجي للثعبان، وفي لحظة ارتدا بسرعة إلى
الوراء وهما يصرخان من الرعب.
حدق هاري في ذهول ، لقد اختفت الواجهة
الزجاجية لصندوق الثعبان العاصر.
بدأ الثعبان الضخم في تحرير نفسه والزحف خارج
الصندوق، وبدأ زوار بيت الزواحف في الصراخ والهرب ناحية المخرج.
أما هاري فيمكنه أن يقسم أنه وبينما يمر
الثعبان مسرعا بجواره قد سمع صوتا منخفضا يقول ( ها أنا ذا ذاهب إلى البرازيل....
شكرا يا صديقي)
أصيب حارس بيت الزواحف بصدمة شديدة وظل يردد(
ولكن ... الزجاج.... أين ذهب الزجاج؟؟؟)
قام مدير الحديقة بنفسه بصنع كوب من الشاي
الساخن المحلى بالكثير من السكر، بينما يعتذر لها المرة تلو الأخرى.
كان دادلي وبيرس عاجزين تماما عن الكلام بالرغم
من أن كل ما فعله الثعبان ، كما رأى هاري بنفسه، أنه مر بجانبهما متظاهرا
بإخافتهما،ولكن حينما عادوا إلى سيارة العم فرنون، كان دادلي يخبرهم كيف أن
الثعبان كان على وشك لدغه في قدمه، بينما يقسم بيرس أن الثعبان حاول عصره حتى
الموت.
لكنبالنسبة لهاري كان الأسوء من هذا كله، ان
بيرس بمجرد أن هدأ وتمالك نفسه أخبرهم أن هاري كان يتحدث للثعبان ( أليس كذلك يا
هاري؟)
انتظر العم فرنون حتى غادر بيرس منزلهم قبل
أن يبدأ في الصراخ
كان شديد الغضب لدرجة أنه كان يتكلم بصعوبة
بالغة، كل ما استطاع قوله كان(اذهب ..... الخزانة..... ابقى هناك ...... لا طعام)
ثم سقط منهارا على كرسييه وذهبت الخالة بتونيا مسرعة لتحضر له شرابا مهدئ.
استلقى هاري في خزانته المظلمة لساعات طويلة،
كان يتمنى لو امتلك ساعة، لو كان يعرف كم الساعة الان لاستطاع التخمين إن كانوا
ذهبوا للنوم أم مازالوا مستيقظين، لا يمكنه المخاطرة بالتسلل للمطبخ والبحث عن
طعام قبل أن يغطوا في نوم عميق.
قضى هاري 10 سنوات من عمره في بيت عائلة
درسلي
10 سنوات تعيسة
منذ توفي والديه في حادث سيارة وهو طفل
رضيع،ولكنه لا يستطيع أن يتذكر وجوده في السيارة مع والديه أثناء الحادث
أحيانا عندما يجلس وحده في خزانته لساعات
طويلة محاولا اعتصار ذاكرته ، لا يمكنه رؤية أي شيء عن الحادث، كل ما يمكنه رؤيته
، هو ذلك الشعاع الأخضر الساطع من الضوء وألم حارق في جبهته، ربما كان هذا هو
الحادث وإن كان لا يعرف من أين أتى كل هذا الضوء الأخضر
لم يكن يتذكر أي شيء عن والديه أو كيف
يبدوان، فلم يكن لهما صورة واحدة بالمنزل، كما ان خالته وزوجها لم يتحدثا عنهما
أبدا، وهو بالطبع ممنوع من أن يسأل أي أسئلة.
عندما كان هاري أصغر قليلا ، كان دائما ما
يحلم بأقارب لا يعرفهم يأخذونه بعيدا من هنا، ولكن ذلك لم يحدث أبدا، كانت عائلة
درسلي هي العائلة الوحيدة التي يمتلكها.
حتى في المدرسة ، لم يمتلك هاري أي أصدقاء
على الإطلاق، كان الجميع يعرف ان دادلي وعصابته، يكرهون هاري بوتر غريب الأطوار،
بملابسه القديمة الواسعة ونظارته المكسورة، ولم يجرؤ أي أحد على تحدي دادلي
وعصابته.
أحيانا كان يعتقد ( أو ربما يتمنى) أن
الغرباء في الطريق يعرفونه.أناس ذو هيئة وملابس غريبة جدا.
ذات مرة وبينما كان هو ودادلي وخالته بتونيا
في السوق ، انحنى له رجل قصير القامة يرتدي قبعة قرمزية. سألته خالته بغضب إن كان
يعرف الرجل، وعندما أجاب بالنفي، أخذتهم بسرعة وخرجت من السوق بدون أن تشتري أي
شيء.
وفي مرة أخرى لوحت له عجوز ترتدي ملابس خضراء
من الحافلة.
بل إن هناك رجل أصلع، يرتدي معطفا طويلا
بنفسجي اللون، قد استوقفه يوما في الشارع، وصافحه
ثم ابتعد بدون أن يحدثه بكلمة واحدة.
كان الأغرب من هيئة هؤلاء الناس وملابسهم، هي
الطريقة التي يختفون بها قبل أن يتمكن هاري من الحديث إليهم، قبل أن يسألهم كيف
ومن أين لهم أن يعرفوه.
0 تعليقات